المِيزَانُ الذِّي تَزِنُ بِهِ النَّاسَ
حامد شاكر العاني
أيها العاقل الرشيد..
بعد تحديد أصناف الناس، لابد من ميزان قويم تزن به، لتعرف من خلاله مَنْ هم الذين يستحقون أن يكون لهم الرفعة والمكانة السامية بين أصناف البشر الأخرى، وأنهم الأوْلى بالاهتمام والتمييز، ولكن من غير إساءة إلى الأصناف الأخرى.
والذي اعتمدناه في هذا المطلب موازين ثلاثة في معرفة الصفات والعلامات لكي نزن بها الناس ونجعلهم طبقات ومراتب، لنخرج بمحصلة طيبة في تصنيف الناس، وهي : كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء (رحمهم الله) من هذه الأمة الخيرة التي رفع الله شأنها بين الأمم، وبوأها المنزلة العالية الرفيعة، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾[1]، وقال أيضاً : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾[2].
وفيما يأتي التعرض لكل ميزان من هذه الموازين الثلاثة، وذلك بذكر بعضاً من النصوص التي أشارت إليها، لأجل أن يعرف كل مسلم الطريق الأمثل في تصنيف الناس :
القرآن الكريم :
لعل ما جاء في كتاب الله عز وجل هو المعيار الأول في معرفة الخصائص التي يتمتع بها الفضلاء من غيرهم، فالقرآن اتفقت عليه جميع المسلمين على أنه أصح كتاب على وجه الأرض، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لذا اعتمدناه ميزاناً أولاً في ما نَصْبُوا إليه.
فقد استخدم القرآن الكريم عبارات معينة للتمييز بين صنفين من الأشياء للدلالة على تفوق الأول على الثاني، أو للتمييز بين شيئين عظيمين وذلك في مواضع متعددة، وأكثر عبارة أستخدمها هي عبارة (هل يستوي) كميزان يرجح كفة على أخرى، وكذلك استخدم عبارة (مثل)، وعبارة (يرفع)، وكما يأتي :
مرتبة العلم، وتفوق العالم على الجاهل في كل شيء :
قال الله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوي الذِّينَ يَعْلَمُونَ وَالذِّين لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَرَ أُولُوا الألْبَابِ ﴾[3].
قال الأشقر : (المراد : العلماء والجهَّال)[4]، فلا محالة أن العلماءوأهل العلم يتميزون عن غيرهم في معرفة الأشياء والمدلولات سواء أكانت دينية أم دنيوية، وهم الذين يُميّزون بين الصالح النافع والطالح المضر، وهؤلاء هم الطبقة التي تزهو بهم المجتمعات وتبنى وتتطور، وقد عُرف هذا قديماً وحديثاً وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا المعيار هو المقدم على غيره في فهم الناس وتمييز بعضهم على بعض، ونطلب من جميع المسلمين أن يفهموا هذا المقياس وهذا المعيار الرباني. والعلماء ورثة الأنبياء، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، لأجل أن تبرهم الأمة وتجلهم وتحترمهم، فالدنيا لا يستقيم حالها إلاَّ إذا أُكرم العلماء، وقد قيل أن الدنيا تستند على أربعة أركان :
(عدل الأكابر، وعلم الأفاضل، وجلال الشجعان، ودعاء الصالحين).
**********
[1] الإسراء : 9.
[2] آل عمران : 110.
[3] الزمر : 9.
[4] زبدة التفسير من فتح القدير ص607.